كثر «المقنّعون» في زماننا، وبدأت الأقنعة تتساقط شيئاً فشيئاً، لتكشف عن زيف وجوه لطالما اختبأت خلفها، لتتبدى النفوس المريضة على حقيقتها.
كثيراً ما نصادف في حياتنا أناساً مقنعين، يظهرون طيب النيات وحسن الخلق، وهم خلاف ذلك تماماً، لكن المواقف الحياتية كفيلة بتعريتهم على حقيقتهم، تلك الفئة من البشر نلتقيهم حيثما كنا في المجتمع، في المناسبات الاجتماعية، في أماكن العمل، في المجالس، في شبكات التواصل المتعددة، والغريب في الأمر إتقان أولئك لفنون إدارة الحديث، وبراعتهم في نسج هالة من المثالية حولهم تمكنهم من العبور إلى الأفئدة دون استئذان.
وتكمن خطورة المقنعين، إن صح التعبير، في الضرر الذي يلحقونه بالمحيطين بهم، فهم يسعون للتقرب إلى الناس، وكسب ودهم، للوصول إلى خبايا نفوسهم حتى يستطيعوا الوقوف على نقاط ضعفهم، تمهيداً لتصيد أخطاء من وثق بهم، ومنحهم قلبه ولبه، ويتخذ هؤلاء المتملقون والمتمدحون من حلاوة ألسنتهم سلاحاً يستخدمونه متى شاؤوا لابتزاز الناس، واستغلالهم، وإلحاق الضرر بهم.
ووحدها المواقف تبلور جوهر المتصنعين، فسرعان ما ينزاح الستار عن نيات خفية كانوا يبيتونها، ليستخدموها في التوقيت المناسب، وفجأة نكتشف من خلال موقف بسيط الخدعة الكبيرة التي أوهمنا إياها المتصنع بارتدائه لقناع البراءة والطيبة، لنصطدم بشخص آخر كأننا نتعرف إليه للمرة الأولى، وفجأة أيضاً ندرك أننا وقعنا في فخ وشباك شخص أجاد بدهائه خداعنا، ربما تتطلب لحظة الحقيقة تلك من صاحبها برهة من الزمن، حتى يستوعب ما ألم به من إنسان أبدى له الخير، وأضمر الشر، فكيف لمن كان بالأمس صديقاً مقرباً، وزميلاً عزيزاً ينقلب إلى خصم لدود لا لشيء، إلا لكونك لم توائم مزاجه الزائف، ولم تتوافق مع مصلحته الشخصية، فقرر أن يرميك بسهام حقده حتى يشفي غله الدفين تجاهك، ويصل إلى مجده الزائف عبر إساءته إليك.
حقيقة مرة، لكنه واقع نعيشه كل يوم يستوجب منا الحذر ثم الحذر من المقنعين، فهم أشد فتكاً بالنفوس ممن يجاهرونها العداء علانية، وتلك الحقيقة تدفعنا للتمهل قبل منح ثقتنا لأحدهم، فليس كل من يتبسم في وجهنا جدير بمشاركتنا همومنا وأسرارنا