لا شك أن النوم نعمة، ولا يشعر بتلك النعمة إلاّ من فقدها، ولا أرثي وأشفق إلاّ على العشاق المحرومين الذين يساهرون النجوم، ولا يملكون إلاّ أن يغنوا: (يا ليل يا عين).
وكل الحيوانات تنام، بما فيها الحيوان الناطق، ألا وهو الإنسان الذي يقضي ثلث سنوات حياته وهو يشخر، لأن متوسط ما ينامه تقريباً 8 ساعات يومياً، أما الأسد الغضنفر فينام 20 ساعة، وهو يستحق لقب ملك النوم بدلاً من ملك الغابة، وأقلها نوماً هي الزرافة المعصقلة التي لا تنام سوى ساعة واحدة متقطعة، أما الحمار الوحشي فهو لا ينام إلاّ واقفاً من شدة الكبرياء.
غير أن وباء النوم – إن كان فعلاً وباءً - فقد اجتاح إحدى القرى بشكل غريب، وبدأت حالات النوم المفاجئ تصيب سكان (كاليتشي) شمال كازاخستان، فينام الشخص فجأة وهو يعمل أو يتكلم أو يقود، ثم يستيقظ بعد فترة تتراوح ما بين يومين و6 أيام، من دون أن يذكر أحدهم ما حدث له.
أول حالة من النوم المفاجئ سُجلت عام 2013، وكانت من نصيب ليبوف لابيوكا التي داهمتها وهي تتحدث مع أصدقائها ذات صباح كالعادة، لتسقط فجأة على كرسيها من دون حراك.
أُجريت لها فحوصات سريعة لم تكشف عن أي إصابات، لكنها أيضاً لم تستجب لمحاولة إيقاظها، وظلت نائمة 4 أيام كاملة حتى استيقظت من تلقاء نفسها وهي تعاني فقدان ذاكرة مؤقتاً.
انتشرت الظاهرة سريعاً حتى أصابت 129 شخصاً من أصل 680 هم سكان القرية.
وحالهم أفضل بمراحل من حالة الجزائري (الحاج صالح) الذي يسكن في مدينة (الجلفة)، حيث ذكرت صحيفة (الشروق) الجزائرية أنه يبحث عن النوم في كل زاوية في منزله منذ غادره عام 1992 ولم يجده.
حالة الحاج طرحت أسئلة كثيرة حيّرته وحيّرت عائلته ومعها الأطباء.
هذا المرض، إن جازت تسميته كذلك، جعل الرجل نحيلاً وتراجع وزنه إلى 50 كيلوغراماً بعد كان أكثر من 80 كيلوغراماً، وبات المسكين يخاف من الليل وظلامه.
فعندما ينام الناس ليلاً يهيم هو في الشوارع علّه يجد النوم في مكان ما من زوايا الشوارع، وبعد أن يفقد الأمل يعود مرة أخرى لغرفته الصغيرة ويجد عائلته نائمة.
ولم يكذب (عمر الخيام) عندما قال:
فما أطال النوم عمراً - ولا قصّر في الأعمار طول السهر
والدلالة على ذلك: أن (الحاج صالح) يعد من أكبر السكان عمراً في بلدته.