معظم السلع المرصوصة على رفوف الأسواق صنعها عمال يسكنون مئات المدن الآسيوية خاصة الكبيرة –مُدن صينية مثل شنزن ودونغوان وغوانغجو– والتي تنتج سيلاً من الهواتف والتلفازات والحواسب وغيرها من "ضروريات" العيش في القرن الواحد والعشرين، وتذهب السلعة المكتملة إلى الأسواق العالمية عبر سلسلة من آلاف الشاحنات وحاويات شحن بحرية والتي صُنِعت في مدن مثل غيوج الكورية وناغازاكي اليابانية ونينغبو الصينية لتنثر تلك السلع في أسواق أميركا وأوروبا وآسيا وكل قارة ممكنة.
لقد صار العالم قرية صغيرة. تدفع عربة التسوق أمامك وفيها بطاطا أميركية وزيت زيتون فلسطيني وماء فرنسي ولوح شوكولا بلجيكي وفوطة باكستانية ومزيل مناكير هندي ولعبة صينية، كلها تتحد كمنتجات تصطفّ بانتظام أمامك فتلتقط هذه وتلك وترميها في العربة بلا اكتراث لسلسلة الإمداد العبقرية التي طوّعت اللوجستيات لتوصل لك كل ما تشتهيه نفسك ويحتاجه بيتك.
وإذا كانت هذه الأشياء مألوفة لديك فهناك أمور أخرى غير مألوفة ظهرت بسبب كون العالم قرية الآن، فقد أتى رجل وتزّعم قبيلته في نيجيريا، لكن الغريب أنه رجل من ولاية نورث كارولاينا الأميركية! لقد اكتشف أصوله بسبب تقارب العالم ووفرة وسائل الإعلام، واستقال من وظيفته في الجامعة ليكون شيخ القبيلة. قبيلة كايابو وقبائل أخرى معزولة في غابة الأمازون يستخدمون محادثات الكاميرا ليتواصلوا مع مسؤولي الحكومة البرازيلية. السفاح جنكيز خان الذي أباد خلقاً كثيراً يُعتَبر بطلاً (!) في منغوليا، وظهرت فرقة موسيقية جعلت على عاتقها أن تغزو العالم كما فعل جنكيز لكن بموسيقى الروك. لغات كادت أن تندثر بدأت تحيا الآن، فالإنجليز غزوا ويلز وأيرلندا وفرضوا عليها الإنجليزية فأخذت لغاتهم القومية تتلاشى، لكن الآن ساعدت التقنية على صون هذه المواريث الثقافية بل صارت تُدرّس للصغار، وهذا حصل مع الفرنسية في كويبيك (كندا) ولغة المايا (المكسيك).