قد نسامح... لكننا لا نفقد الذاكرة.
نعم، نملك قلوبًا تُجبرها الأخلاق على التسامح، وأرواحًا ترتفع فوق الأذى لأننا نؤمن أن الصفح لا يعني الضعف، بل هو قوة لا يقدر عليها إلا الكبار. نسامح لأننا نريد أن نعيش بسلام، لأننا لا نحب أن نحمل حقدًا يُثقل أرواحنا، ولا نريد أن نحول قلوبنا إلى مقابر لأوجاع الأمس.
لكننا لا نفقد الذاكرة...
لا ننسى من كسرنا حين كنا نبحث عن حضن. لا ننسى من خان ثقتنا ونحن نضع أرواحنا بين أيديهم. لا ننسى من خذلنا في لحظة احتجنا فيها لكلمة صادقة، أو من ابتسم في وجوهنا وهو يغرس سكينًا في ظهورنا.
الذاكرة لا تمحى، بل تخزن الدرس، تحفظ الألم، تضعه في ملفٍ خاص يُفتح كلما هممنا بأن نثق مجددًا، أو نمنح فرصة ثانية.
نحن لا نحمل في قلوبنا كرهًا، لكننا نحمل دروسًا... والتجارب المؤلمة لا تُنسى، بل تُعلّم.
لا يعني التسامح أن نعود كما كنا، ولا أن نفتح نفس الأبواب التي أُغلقت على خذلان. التسامح قرار داخلي بالسلام، أما الذاكرة فهي الحارس الذي يمنعنا من السقوط مرتين في نفس الحفرة.
قد نبتسم، وقد نعامل الناس بلطف، لكن في أعماقنا شيء تغيّر، شيء أصبح أكثر حذرًا، أقل اندفاعًا، وأشد صمتًا.
لقد علّمتنا الحياة أن التسامح لا يعني الغفلة، وأن الصفح لا يلغي الحقيقة.
نعم... نسامح، لكننا لا نفقد الذاكرة