وأنا :
في طريقي لملاقاة أصدقاء الدراسة ، مررت
على شريط الذكريات ، لأقف على أعتاب تلك المواقف
التي جمعتني بابني " البراء " ، وهو لا يزال في سن " 3 " سنوات ...
كنت :
دوماً أحثهم على التحلي بالأخلاق الحميدة ، وأن يكونوا
أصحاب مبادئ لا يتنازلون عنها مهما
حدث وإن كان حياتهم هي " الثمن " !
ومن جملة تلك الأخلاقيات :
" الوفاء بالعهد والوعد " .
مبينا لهم أن الوعد يُعد من الواجبات التي
يجب اتيانها وتحقيق الوفاء بها ،
والتي لا يمكن الاخلال بها أو تجاهلها .
وما :
علمت أني بذلك أنصب لنفسي فخاً ، منه أبتز ،
ويكون أداة ووسيلة ضغط علي ، لتحقيق المآرب ،
والغايات لدى البعض ممن يوظفون تلك المثالية
في بناء ذات الانسان .
بالعماني وكما يقول المثل :
" جراده شاويه عمرها " .
_ وقع في الهلاك بيده _
البراء :
هو الثالث من أولادي بعد التوأم .
ولد :
يجعل من الحليمِ حَيرانا !
فالبراء :
لم يألو جُهدا في حفظ الدرس عن
لزومِ الوفاء بالوعد .
وعلى كل مره يعمل عملا طيبا
يقول لي :
ابي اشتري لي لُعبة ؟
_ هو مُدمن جمع الألعاب _ .
ويوماً ما قُلتُ له :
إن شاء الله سأشتري لك لُعبة .
فقال :
لا تقُل إن شاء الله !
بل قُل :
اشتري لك فقط !
فما السر من هذا الأمر ؟!
_ حين لا يكتفي بالقول إن شاء الله _
فالسِر في ذلك :
اني حين أقول له إن شاء الله ،
فمعناه يمكن ان اشتري له أو لا اشتري !ا
_ في عُرفه _
بمعنى آخر :
سيكون هُنالك احتمالان .
حدثَ لي :
موقف مع ابني _المُشاكس _
البراء .
ففي يوم من الأيام :
أخذته لمحل ، وفي السياره نصحته ،
بأن يلتزم الصمت ، ولا يُلح علي بطلب أي لعبه .
قُلتُ له تَعِدُني ؟
قال :
وعد .
على :
هذا اتفقنا ، ونحن في طريقنا للمحل
وأول :
ما دخلنا للمحل اخذتُ أنظر إليه بنصف عين ،
والالعاب تُحيط به من كل مكان .
والبراء :
_ المسكين _
يكتم في قلبه ،
ولسانه لا ينطق ،
والحسرة ، والعَبرة تَخنُقانه !
وفجأة :
إلتقت عيني بعينه ،
ففهمتُ من نظرته أنه يٌريد لعُبه ،
غير أن الوعد يٌقيدُ مَقاله !
وفي تلكم اللحظة :
ضحكنا معاً على حالنا م ذلكَ المُوقف .
أحببت :
الوقوف على ذلك الموقف الذي جمعني بالبراء
ابني من أجل أن نستفيد منه ، ونُبرز من خلاله
بعض الجوانب والمعالم التي قد تغيب عنا
إما :
يكون جهلا منا ،
وإما :
تجاهلا جاء عمدا
منا .
فتعلمت من ذلك :
أن الطفل أنت من تُشكل طينته على ما تشاء أن يكون
عليه ، حتى وإن غالب ذاك التشكل بعض عوامل
الجذب التي تصنعه البيئة التي حوله والتي قد تُحول
وجهته بتأثير الخلان والأقران .
يقيني وقناعتي :
أن الطفل الذي تزرع فيه تلك المعاني السامقة ،
وتلك الأخلاق العظيمة لابد لها أن تستقر في عقله ووجدانه
حتى وإن تكالبت عليه الفتن والمحن ، وانجر لسلوكيات
تخالف ما غرسنا فيه ، غير أنه في فترة من الفترات
يُحس بذاك الجذب ليأخذه لتلك الأيام التي قضاها بين
ربوع التعلم من ينابيع الأدب والأخلاق .
ومنها :
يحاول الفكاك من تلكم الطباع الدخيلة عليه ،
والتي هي كالقناع والنفس الزائفة التي لا تناسبه
ولا تمثله .
ومن جملة الذي تعلمته أيضا:
أن أكون حريصا على أن أكون ذلك المربي الذي يرافق
ويوافق قوله فعله ما لم يتقدم الثاني على الأول ليكون حيّا
مُعاشا بعيداً عن المثاليات ، وتلك النرجسيات ،
والتنظيرات .
فالغالب :
لدى البعض أن تكون الدروس في الأخلاق بعيدة
كل البعد عن التطبيق ، ليجد المتلقي _ من النشأة _
ذاك التناقض والتباين بين القول والعمل !
فحال :
" البراء " كحال من علم يقينا بفطرته _ من الصغار _
أن " الوعد " لابُد أن يكون لازم التنفيذ ، حتى
في أحلك الظروف .
والجميل :
في ذلك حين ترى نتائج ما زرعت آنية الجني
والمثال على ذلك حين دخلنا المحل وأخذ يرمقني
من طرف خفي لتحل لغة العين بديلا عن لُغة اللسان .
حينها :
ينكشف لك أن الطفل لا يمكنك تجاهل ذاكرته ،
وأنه يُحصي لكَ ما تَعلمهُ منك ،
وعن مدى تطبيقك له .