قد يؤمن بعضنا بالأرْقام إلى درجة اعْتبارها
مَجْموعة من العوائِق التي تقف بينهم
وبين أحلامهم..
فنحن قد نتردَّد في الدخولِ إلى إحدى الحكاياتِ
بسبب رَقْم ما، أو قد نتمنى حذف رقم أو إضافة
آخر حتى نتمكن من أداء أدوارنا في حكايات
لطالما تمنينا القيام بأدوار البطولة فيها؟
فربما كانت الحياة ستبدو أجمل لو أنها
لم تدون اللحظة الزمنية لاسْتِقْبالها لنا
وأطلقت سراحنا على الأرض دون قيود
على هَيْئةِ أرقام معيقة..
ربما كانت ستبدو أجمل لو أن أحدهم لم يخترع
تواريخ الميلاد ولم تحتو أوراقنا الرسْميّة
على تلك الأرقام التي تنسبنا إلى زمن ما..
ربما كانت ستبدو أجمل لو أن قلوبنا كانت
لا تكبر إلا حين نشعر بالحبِ، أو أن أعمارنا كانت
لا تُحسب إلا حين نستمتع بدفء اللحظة،
فاللحظات العابرة هي لحظات باردة لا أهمية
لها في أعمارنا، ويحق لنا حذفها دون تردد.
ربما كانت ستبدو أجمل لو أن خانات بياناتنا
الهامة اكْتَفت بالأسماء دون منح أهمية
للأرقام أو للقبائل أو لتلك التفاصيل الأخرى
التي نرغب أحياناً بالتجرد منها كي نكون أقرب
إلى أنفسنا، وأكثر حُرّيّة في التحليقِ بأحلامنا،
وفي انْتِقاء أدوارنا على الأرضِ، وفي التنفس
بعمق بعيداً عن كهوف الأرقام..
كانت ستبدو أجمل لو كان بإمكاننا التخلص
من الأرقام والاكْتِفاء بالحروفِ، فالحروفِ
هي أصواتنا الأخرى، هي الصديقة التي
لا تزيد من أرقام سنواتنا ولاتجعلنا أكبر سناً،
ولا أكثر وهناً، ولا تتحوَّل مع الوقتِ إلى
سجون تلزمنا بالمساحاتِ وبالمسافاتِ
وتحدد لنا حدود أحلامنا وحدود خيالنا
وحدود طيراننا وقدرة قلوبنا على التحْليق..
فالذين اخترعوا الأرقام حولوها مع مرور الزمن
إلى قيود معيقة بيننا وبين الحياة، وكأننا
مجموعة من الأرقامِ، كلما مرت الأيام
زادت خاناتنا، وزادت أَوْجاعنا
لذا.. وحين يقسم العالم مراحِل العمر
إلى طفولة ومراهقة ونضج وكهولة
وشيخوخة وأرذل العمر..
ابق أنت في المرحلة الأحب إلى قلبك،
ولا تهتم بالأرقام كثيراً، فالمراحل
كالمدن وكالأوطان.. تتعلق قلوبنا
في أقربها إلى أرواحنا.
قبل النهاية بقليل:
الرقم (خانة)، لا تحوله إلى (حالة)!