الرؤية الصائبة تكمُن في بصيرة القلوب التي ترى وتدرك بواطن الأشياء دون الأخذ بالظواهر وكأن الله حباها تلك الميزة لتكون مختلفةً عمَّن سواها فكان عليها أنْ تُحسِن استغلالها بحيث تكشف تلك الأمور الخبيثة التي يضمُرها البعض داخل نفوسهم وتُحذِّر الآخرين من نوايا الغير السيئة تجاههم وتُجيد إنقاذهم قبل فوات الأوان وأنْ تكون كجرس إنذار يُنبِّه الآخرين قبل مداهمة الخطر وبهذا تتمكن من اللحاق بنفسها قبل أنْ تقع في التهلكة أو تضع ثقتها في غير محلها سواء في أشياء أو أشخاص ، فتلك البصيرة هي عين ثاقبة تُجيد التقاط الأشياء من على بُعْد ولو لم يشعر بها سوى صاحبها ، فهي قدرةٌ خارقة على استشعار خبايا الأمور وهذا ما يساعد صاحبها على التكيُّف مع تغيُّرات الحياة وتقلُّب الحال بنفس راضية وقلب مستبشر بحلول الخير في القريب العاجل مهما تأخر قدومه أو لم تكن هناك أمارات توحي بذلك ، فهو يحمل بداخله يقيناً وحُسن ظن في خالقه الذي يهيئ له حدوث الأجمل في كل الأحوال ويسوق إليه خير الأقدار ولو لم يعِ الحكمة من وقوع بعض الأحداث فهي تسير دائماً بلُطف خفي لا ُيدركه سوى صادق الإيمان الذي يضع نَصب عينيه القضاء والقدر ويعلم أنه لا مناص منهما ولا مفر ويقنع دوماً بما يجري في حياته ولو لم يدرِ السبب وراءه أو الغرض من تحقُّقه ، لذا تجده راضياً في كل الأحوال ، شاكراً في كل الظروف ، حامداً في كل الأوضاع مهما تبدلت الحياة من حوله ، فدوام الحال من المُحال وهي في النهاية دنيا سوف تفنى في نهاية المطاف فلا علينا التبطر أو الاعتراض على أي أمر فيها حتى لا نُعاقَب أشد عقاب وتزول من بين أيدينا سوابغ النِعَم التي نترغد فيها ليل نهار دون أنْ نشعر بوجودها أو نتلمَّس أثرها ، فوجود الشيء بوفرة يُفقِد المرء الشعور به وكأنه قد أَلِفَه أو زهد فيه بفعل تكراره ولو حُرِم منه لأدرك كَمْ كان جاحداً ناقماً على النِعَم ...