تلك الصحائف البادية للعيان، التي تنطوي صفحاتها على ما تنطوي
عليه من أسرار وانطباعات وأفكار وانفعالات وقصص وحكايات
وفصول وآيات لا تكاد تعرف بداية أو نهاية.
فهي دائمة الظهور والتعاقب على تلك المرآة البشرية السحرية التي تلتقط
وتبرز ما تعجز عن التقاطه وإبرازه أدق آلات وأجهزة التصوير، حتى الديجيتال منها!
هناك وجوه تقرأ فيها معاني النبل والسمو والشهامة،
ووجوه تنبئ عما يتحلى به أصحابها من مخاتلة ولؤم وخداع.
هناك وجوه لا تشبع من النظر إليها ووجوه لا تطيق رؤيتها ثانية.
هناك وجوه تؤكد لك صدق أصحابها ووجوه تقول بفصاحة أن حظ أصحابها من المصداقية قليل وهزيل.
هناك وجوه تحمل على جباهها عبارة (موضع ثقة) ووجوه يقول محياها لم يحسن القراءة (خذ حذرك ولا تقترب!)
هناك وجوه هي بذاتها تسبيحة ودعاء وبركة من السماء ، ووجوه تطلق تقاطيعها الشتائم والسباب في كل موقع وموقف.
هناك وجوه تراها لأول مرة فتشعر بانعطاف قوي نحوها وتود لو تديم النظر فيها،
ووجوه كذلك تراها لأول مرة فتنقبض أساريرك لانبعاث كهرباء خفية منها غير مرئية لكنها
محسوسة وملموسة دون أدنى شك.
هناك وجوه حلوة كالفاكهة الناضجة، ووجوه فجة كالحصرم أو أشد حموضة.
هناك وجوه كالشمس عند إشراقها أو قبيل غروبها ووجوه كالحة كالدخان الكثيف أو أكثر قتامة.
هناك وجوه تحتفي بك وتهش للقياك، ووجوه أنشف من رمل الصحاري في أيام الصيف القائظ.
هناك وجوه تقرأ قلوب أصحابها من خلال النظر إليها، ووجوه مستترة ومغلفة بألف حجاب.
هناك وجوه كالورد الجوري حسناً وعطرا ورواءً ووجوه كالأشواك الحادة أو الأعشاب المتطفلة.
هناك وجوه كالكتاب المفتوح ووجوه كالطلاسم الغامضة.
هناك وجوه كالربيع الزاهر ووجوه كالشتاء الكئيب.
هناك وجوه كالبدر عند اكتماله ووجوه كالقمر عند خسوفه.
هناك وجوه كغيث الخير ووجوه كالبَرَد المدمر.
هناك وجوه تقول تقاطيعها (إبشر، قريباً دعوتَ)
ووجوه لا تكف عن التفكير في ما يمكنها تحصيله منك بأية وسيلة.
هناك وجوه رؤيتها كالبلسم الشافي ووجوه مرآها يستدعي الاستعاذة بالله.
وليس آخرا، هناك وجوه كالمجرّة في اتساع أفقها وعمقها وأسرارها،
ووجوه كزوبعة ولكن في
فنجان.